بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد طبِّ القلوبِ ودوائها وعافية الأبدانِ وشفائها ونور الأبصار وضيائها وعلى آله وصحبه و سلم.
لفهم هذا الموضوع كما ينبغي يجب معرفة أن القرءان توجد فيه ءايات محكمات وءايات متشابهات قال تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب}.
فقد ذم الله تعالى الذين يتَّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة أي الزيغ أي ابتغاء الإيقاع في الأمر المحظور لأن المشبهة غرضهم إيقاع السني في اعتقادهم الباطل، وقد حصل في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا يقال له صبيغٌ كان يسأل عن المتشابه على وجه يُخشى منه الفتنة فضربه سيدنا عمر ثم نفاه وأمر أن لا يختلط الناس به.
أولاً: الآيات المحكمات
ليعلم أن الآيات القرءانية أغلبها محكمة، والآيات المحكمة هي التي دلالتها على المراد واضحة، ويقال: هي ما لا يحتمل من التأويل بحسب اللغة العربية إلا وجها واحدا، أو ما عُرِفَ بوضوح المعنى المراد منه كقوله تعالى: {ليس كمثله شيء}، وقوله: {ولم يكن له كفوا أحد}، وقوله: {هل تعلم له سميا}، اي مثلا أي ليس له مثيل ولا شبيه.
وسمى الله تعالى المحكمات أم الكتاب أي أم القرءان لأنها الأصل الذي تُرد إليها المتشابهات.
والآيات التي ذكرناها هي أمثلة للآيات المحكمة التي لا يجوز تأويلها أي إخراجها عن ظاهرها لأن إخراج النص عن ظاهره بغير دليل نقلي أو عقلي عبث لا يجوز في كلام الله عز وجل ولا في كلام نبيه كما قال الرازي .
إن شاء الله تعالى سوف نتكلم عن الآيات المتشابهات في المرة القادمة بالتفصيل .
المتشابه: هو الذي دلالته على المراد غير واضحة أو كان يحتمل بحسب وضع اللغة العربية أوجُهاً عديدة واحتاج لمعرفة المعنى المراد منه لنظر أهل النظر و الفهم الذين لهم دراية بالنصوص ومعانيها ولهم دراية بلغة العرب فلا تخفى عليهم المعاني إذ ليس لكل إنسان يقرأ القرءان أن يفسره .
فالمتشابه قسمان : قسم لا يعلمه إلا الله كوجبة القيامة أي الوقت المحدد الذي تقع فيه القيامة و خروج الدجال على التحديد، لا يعلمهما أحد من الخلق لا الراسخون في العلم ولا غيرهم.
وقسم يعلمه بعض من علمه الله من عباده وتفسيره يجب أن يرد إلى الآيات المحكمة ويكون موافقا لها ولا يجوز ترك التأويل والحمل على الظاهر لأنه يلزم من ذلك ضرب القرءان بعضه ببعض .
مثل قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى ) يجب أن يكون تفسيرها بغير الاستقرار والجلوس ونحو ذلك ويكفر من يعتقد ذلك، ويجب ترك الحمل على الظاهر بل يحمل على محمل مستقيم في العقول فيقال استوى أي قهر ويكون أول تأويلا تفصيليا، أو يقال استوى استواء يليق به أو يقال ( الرحمن على العرش استوى ) بلا كيف ويكون أول تأويلا إجماليا ، وهذا منطبق ومنسجم مع الآية المحكمة ( ليس كمثله شيء )
وفي لغة العرب يقال استوى فلان على الممالك اذا احتوى مقاليد الملك واستعلى على الرقاب أي استولى على أهل البلد كقول الشاعر :
قد استوى بشْرٌ على العراقِ ==== من غير سيفٍ ودم مُهراقِ
ومعنى قهر الله للعرش الذي هو أعظم المخلوقات أن العرش تحت تصرف الله هو خلقه وهو يحفظه يحفظ عليه وجوده ولولا حفظ الله تعالى له لهوى إلى الأسفل فتحطم فالله تعالى هو أوجده ثم هو حفظه وأبقاه، هذا معنى قهر العرش هو سبحانه قاهر العالم كله .
ويقول حسن البنا في كتاب العقائد الإسلامية ( السلف و الخلف ليس بينهم خلاف على أنه لا يجوز حمل آية الاستواء على المعنى المتبادر ) وهذا الكلام من جواهر العلم .
العرباوى |