الروم والفرس
كان الروم والفرس يقتسمان سيادة العالم المحيط بالجزيرة العربية, وكان كل منهما يطمع في الاستيلاء على منطقة النفوذ الممتدة من شاطئ الفرات إلى سواحل البحر المتوسط, ويعمل على تحطيم قوة خصمه العسكرية.
ومن أجل ذلك كانت الحروب متصلة بينهما, وكانت سجالا تقطعها مهادنات لا تطول. وقد اتسمت تلك الحروب بضروب القسوة, من تقتيل وتدمير وتخريب.
اشتد الصراع بين الدولتين في عهد ملكين عظيمين من ملوكهما وهما: جوستنيان الأول الذي نصب إمبراطورا على الروم عام (527م), وكسرى الأول (أنوشروان) الذي نصب ملكا على فارس عام (531م).
ففي عام (546م) شن كسرى أنوشروان حربا على الروم وانقض على سورية الشمالية فاستولى على أنطاكية عاصمة الشرق آنئذ, واستولى على الرها (أوذيسا) وقنسرين وحلب ومدن أخرى, ونقل آلاف الأسرى من أنطاكية إلى مدينة بناها على غرارها بالقرب من المدائن دعاها (أنطاكية) وعرفت باسم (الرومية), وولي عليها رجلا من نصارى الأهواز .
لم يستطع جوستنيان صد كسرى عن بلاده لاشتغاله بحروبه مع قبائل (الآفار) و (السلاف) الذين كانوا على حدود مملكته من جهة أوروبا, وقد اضطر أن يعقد صلحا مع كسرى. وفي عام (563م), تم هذا الصلح على أن ينسحب كسرى من البلاد التي احتلها لقاء فدية كبيرة وجزية سنوية يدفعها الروم.
وفي عام (565م) يموت جوستنيان الأول ويخلفه جوستنيان الثاني فينقض الصلح الذي أبرمه سلفه مع كسرى, فيرتد كسرى على سورية فيدمرها, ويموت جوستنيان الثاني عام (578م) فيخلفه الإمبراطور (تيبريوس) فيصالح كسرى على مال وجزية.
وفي عام (579م) يموت كسرى أنوشروان فيخلفه ابنه (هرمز), ويموت كذلك (تيبريوس) فيخلفه الإمبراطور (موريس) وتتألب قبائل الترك على فارس بعد موت كسرى, فيرسل هرمز لحربهم جيشا بقيادة قائد يدعى (بهرام) فيهزمهم ويغنم أموالهم, ويغريه النصر فينقلب على مليكه هرمز ويخلعه ويسمله , ويستولي على الملك.
ويحاول كسرى الثاني (أبرويز) ابن هرمز أن يسترد عرش أبيه فلم يفلح, فيلجأ إلى إمبراطور الروم (موريس) يستنصره على (بهرام), فيكرمه الإمبراطور ويستجيب لنصرته ويزوجه ابنته ويمده بجيش عظيم يتغلب به على (بهرام) ويسترد عرش أبيه ويخلفه في الملك.
وفي عام (602م) يغتال القائد البيزنطي (فوكاس) الإمبراطور (موريس), ويستولي على الحكم وينصب نفسه إمبراطورا ويقتل أبناء موريس إلا واحدا منهم استطاع النجاة والهرب, فلجأ إلى كسرى أبرويز يستنصره على (فوكاس) كما نصره أبوه على (بهرام) من قبل, فيطلب كسرى من الروم تنصيبه ملكا خلفا لأبيه ويهددهم بحرب إذا لم يفعلوا فيرفضون.
ويشن كسرى إبرويز حربا ضروسا على الروم ويستولي فيها على بلاد الشام ومصر والنوبة, ويحمل خشبة الصليب من بيت المقدس إلى المدائن عاصمة الفرس, صم يوجه جيشا كثيفا إلى القسطنطينية فيحاصرها ويستعين في حصارها بقبائل (الآفار) و (السلاف), أعداء البيزنطيين, فيحاصرونها من جهة أوروبا, ويتمكن (هرقل) قائد الجيش البيزنطي من فك الحصار عن القسطنطينية واستطاع بمحالفة الترك, أعداء الفرس, من طرد جيش كسرى من بلاد الروم.
وفي عام (610م) يخلع (هرقل) الإمبراطور (فوكاس), لما شاع من فساد حكمه, ويدفعه إلى الشعب فيقتله وينصب الجيش هرقل لتغلبه عن الفرس وخلعه ملكا ضالا.
ويشن هرقل حربا على الفرس يسترد بها ما كانوا قد استولوا عليه من بلاد الروم, ثم يهاجمهم في بلادهم ويكسر جيوشهم في وقعة (نينوى) عام (627م) ويحمل كثيرا من أموالهم ويفرض عليهم جزية سنوية.
وقد كانت هذه الوقعة آخر الحروب بين الفرس والروم, وهي التي أشار إليها القرآن الكريم بقوله:
غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ
بعد هذه الوقعة جاء دور العرب فاكتسحوا الدولتين في آن واحد.